في إحدى مدن الخليج العربي، حيث تُحاك المعجزات الصغيرة، وُلدت طفلة زرعت أملاً وبهجة في روح كل من يراها.
لكن نبأ قاسياً اخترق حياتها وحياة ذويها في أحد الأيام، الطفلة تعاني من اضطراب طيف التوحد.
في السابعة من عمرها، كانت عالماً من التحديات: جسدٌ صغير يثور، يهرب، يقفز من المرتفعات، يرمي نفسه على الأرض، وكلماتٌ عالقة في أعماقها لا تجد طريقها إلى الخارج. المدرسة كانت حلماً بعيداً، والتواصل مع العالم أشبه بلغزٍ لا يُحل. لم تكن قادرة على التعبير عن احتياجاتها، لم تكن تملك القدرة على استخدام الكلمات لطلب شيء ما، أو حتى أن تشير مجرد إشارة إلى ما ترجوه وتبحث عنه.
تعرضت الفتاة لعلاجات سلوكية كثيرة دون فائدة تذكر. لكن عائلتها لم تفقد الأمل، بل كافحوا وحاربوا من أجل سلامة طفلتهم، غادروا بلادهم بحثًا عن العلاج.
وكان الأمل يرسم خطواته إليها، وإليهم.
مع بدء الجلسات السلوكية مع فريق ABA Center، بدأت رحلتها إلى النور. سلحها فريق العلاج السلوكي في المركز بالصبر والمنهجية، فتحوّلت تدريجياً من طفلة تعبر بإشاراتٍ مبهمة إلى أخرى تنسج كلماتها بكفاءة. تحسنت حصيلتها اللغوية، وأصبحت قادرة على تسمية الأشياء من حولها باستخدام عبارات طويلة عوضًا عن استخدام كلمات مفردة.
عند حاجتها للماء مثلاً، لم تعد تقول “ماء” فحسب، بل تركب جملتها لتقول: “أريد شرب الماء البارد من المطبخ”. وهذا ما أسهم في جعل تواصلها أكثر وضوحًا وسهولة، فكلماتها لم تكن مجرد طلبات، بل كانت جسوراً تُبنى نحو عالمها الخارجي.

لم يقتصر التطور على التسمية والطلب فقط، بل شمل أيضًا تحسنًا في مهاراتها في تركيب الجمل وإجراء الحوارات، وتحوّلت الأحرف والأرقام أمام عينيها من رموز غريبة إلى أشياء مألوفة. مع التدريب المستمر، أصبحت قادرة على تكوين جمل أكثر تعقيدًا والتعبير عن أفكارها بوضوح. كما تطورت قدرتها على الدخول في حوارات قصيرة، فأصبحت تُجيب على الأسئلة الاستفهامية بثقة، بل وتبادر في طرحها أيضًا، كقول “ماذا تفعل؟” و”أين نذهب اليوم؟” كأنها تفتح أبواباً كانت موصدةً في ذهنها.
وهذا ما عزز تفاعلها الاجتماعي، أصبحت قادرة على التفاعل مع من حولها من إخوتها ووالدتها ووالدها بالإضافة للأطفال الآخرين، وتشاركهم اللعب بطريقة صحيحة ووظيفية، مما عزز من اندماجها الاجتماعي في بيئات متنوعة. لم تعد تخشى المواقف الاجتماعية وتنسحب منها، بل أصبحت أكثر راحة وثقة أثناء التفاعل مع الآخرين. والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم .

إلى جانب ذلك، شهدت مهاراتها الأكاديمية تحسنًا ملحوظًا، حيث أصبحت قادرة على التعرف على الأحرف والأرقام، والتفاعل مع الأنشطة التعليمية في بيئتها الجديدة. بالإضافة إلى تطور في القراءة والكتابة والحساب مع قدرتها على فهم النص المقروء لها والإجابة على أسئلة استفهامية .
لكن أعظم انتصاراتها لم تكن في الكلمات أو الأرقام، بل في تلك اللحظة التي دخلت فيها المدرسة بحماس وخطوات واثقة، وحقيبتها الصغيرة تحمل أحلاماً أكبر منها. لم تعد الطفلة التي تخشى العالم، بل أصبحت بَطلة قصتها، تثبت أن التوحد ليس نهاية، بل بدايةٌ مختلفة تحتاج فقط إلى يدٍ حانية، وإرادةٍ لا تعرف المستحيل.

هذه القصة دليل حي على أهمية التدخل السلوكي المبكر ودوره في تحسين حياة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.
شمعة تُضيء درب الأمل لكل طفلٍ يحارب في صمت، وتذكرة بأن كل طفل في داخله عالمٌ يستحق أن يُكتشف..