ليس من السهل أن تكون مختلفًا في عالم يُقدّس التشابه. فحين يتعلق الأمر بالتوحد، لا يكون التحدي الأكبر في السمات العصبية ذاتها، بل في نظرة المجتمع لها. فبدلاً من أن يُنظر إلى التوحد كاختلاف طبيعي في الطريقة التي يُعالج بها الدماغ المعلومات، غالبًا ما يُواجه الأفراد المصابون به بحواجز نفسية واجتماعية تُعرقل اندماجهم وتُثقل كاهلهم.
الوصمة المرتبطة بالتوحد لا تقتصر على الأحكام المسبقة، بل تمتد لتشمل مواقف يومية مؤذية: كطفل يُقصى من اللعب، أو شاب يُنتقد لأنه لا يتفاعل “كالباقين”، أو أمّ تُحاصرها الأسئلة واللوم. هذه الوصمة لا تؤثر فقط على شعور الفرد بذاته، بل تؤدي – كما توضح الأبحاث – إلى تبعات نفسية خطيرة كالاكتئاب، والقلق، وسلوكيات التمويه المرهقة.

في بحث نُشر عام 2022 في مجلة Autism: The International Journal of Research and Practice، قدّم كل من تورنوك، لانغلي، وجونز إسهامًا مهمًا في فهمنا لكيفية تأثير الوصمة على الأفراد المصابين بالتوحد. فعلى الرغم من تزايد الوعي بالتوحد، يشير الباحثون إلى أن تجربة الوصمة لا تزال غير مدروسة بشكل كافٍ، خاصةً فيما يتعلق بتأثيرها على الصحة النفسية، وتطور الهوية، والحصول على الدعم.

وفقًا للباحثين، فإن الوصمة تتشكل بفعل عاملين رئيسيين: ▪فهم العامة والمتخصصين لاضطراب طيف التوحد، ▪وتفسير السمات التوحدية —مثل أنماط التواصل غير التقليدية أو السلوكيات التكرارية. وغالبًا ما تؤدي هذه التفسيرات إلى ردود فعل سلبية قائمة على الصور النمطية أو المعلومات الخاطئة.

ومن أكثر النتائج إثارة للقلق في هذا البحث هو تأثير الوصمة على الصحة النفسية والسلوك. إذ يُبلغ العديد من الأشخاص المصابين بالتوحد، وخاصة أولئك الذين تم تشخيصهم في مراحل لاحقة من حياتهم، عن شعورهم العميق بالعار، والرفض، والارتباك الهوياتي. وغالبًا ما تؤدي هذه المشاعر إلى تبني سلوكيات التمويه—أي محاولات لإخفاء السمات التوحدية من أجل “الاندماج”. ورغم أن هذه الاستراتيجيات قد تقلل من الوصمة العلنية مؤقتًا، إلا أنها مرهقة نفسيًا وترتبط بآثار نفسية طويلة الأمد مثل القلق، والاكتئاب، والإرهاق.
كما تسلط الدراسة الضوء على مفهوم “الوصمة التبعية”—وهي الوصمة التي يواجهها مقدمو الرعاية، وأفراد الأسرة، والمهنيون المرتبطون بالأشخاص المصابين بالتوحد. ويمكن أن تؤثر هذه الوصمة سلبًا على استعدادهم لطلب الدعم أو الدفاع العلني، مما يزيد من عزلة الشخص المصاب بالتوحد.

دعا الباحثون إلى طرق بسيطة وفعالة للتقليل من وصمة التوحد، مع مراعاة الفروقات الثقافية. ومن بين هذه الطرق:
▫ تهيئة أماكن مناسبة للتوحد، مثل المدارس والمراكز والخدمات التي تراعي احتياجات الأشخاص التوحديين وتوفر لهم بيئة مريحة.
▫ عرض صورة إيجابية ودقيقة عن التوحد في الإعلام، بعيدًا عن الصور النمطية أو المضللة.
▫ توعية الناس وتدريب المتخصصين لفهم التوحد بشكل أفضل، سواء في المدارس أو أماكن العمل أو المجال الصحي.
▫ تشجيع الأشخاص المصابين بالتوحد على مشاركة تشخيصهم إذا رغبوا بذلك، في أجواء تحترمهم وتدعمهم.
▫ الاعتراف بأن التوحد جزء من تنوع أدمغة البشر، والتعامل معه على أنه اختلاف طبيعي وليس خللاً.
الهدف من هذه الخطوات هو بناء مجتمع أكثر تفهّمًا واحترامًا لاختلافات الناس.

وفي نهاية المطاف، لا تكتفي هذه الدراسة برسم ملامح المشهد البحثي الحالي، بل تضع أيضًا أجندة واضحة للعمل المستقبلي—مسلّطة الضوء على الحاجة الماسّة لاستراتيجيات أكثر شمولًا وطويلة الأمد تهدف إلى تفكيك وصمة التوحد على جميع المستويات المجتمعية.