منذ عقود يحاول العلماء فهم ألغاز اضطراب طيف التوحّد، ذلك العالم المتشعّب الذي لا يزال الغموض يحيطه إلى يومنا هذا.
دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Genetics في يوليو 2025 قدّمت نقلة نوعية في هذا المسار؛ إذ لم تكتفِ بالبحث عن “سبب واحد” أو مسار بيولوجي مشترك، بل كشفت عن أربعة أنماط مميزة للتوحّد، لكل منها قصته الجينية الخاصة.

كيف توصّل العلماء إلى ذلك؟

اعتمد الباحثون على بيانات أكثر من 5,000 طفل شاركوا في مشروع ضخم لدراسة التوحّد. بدلًا من النظر إلى عرض واحد أو اثنين، حلّلوا أكثر من 230 جانبًا من حياة كل طفل: من المهارات الاجتماعية والسلوكيات اليومية، إلى مراحل التطوّر والتحديات النفسية. وعندما جمعوا كل هذه المعلومات مع التحليل الجيني، كانت النتيجة أشبه بتركيب أربع صور مختلفة من أحجية كنا نظنها واحدة.

الأنماط الأربعة للتوحّد

  1. التحديات الاجتماعية والسلوكية: أطفال يواجهون صعوبات في التفاعل الاجتماعي وسلوكيات متكررة، لكن نموهم الجسدي واللغوي يسير بشكل طبيعي.
  2. التوحدالمرتبط مع تأخّر التطوّر: يظهر فيه تأخر واضح في الكلام أو المشي، لكنه غالبًا لا يرتبط باضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب.
  3. التحديات المعتدلة: صورة أخف من التوحّد، حيث تكون السمات موجودة لكن بشكل أقل حدة، وغالبًا ما يتطور الأطفال بشكل قريب من الطبيعي.
  4. المتأثرون على نطاق واسع: الفئة الأصغر والأكثر تعقيدًا، حيث يجتمع فيها التأخر التطوّري مع صعوبات التواصل والسلوكيات المتكررة والاضطرابات النفسية.

بصمة الجينات وراء كل فئة

بعض الأطفال حملوا طفرات جديدة لم يرثوها من والديهم.
آخرون أظهروا متغيرات وراثية نادرة انتقلت عبر الأجيال.
ليس هذا وحسب، بل حتى توقيت عمل الجينات اختلف: ففي بعض الأنماط تُفعل بعد الولادة، مما يفسّر تشخيصهم المتأخر مقارنة بغيرهم.

لماذا يعد هذا مهمًا؟

هذا الاكتشاف يغير طريقة فهمنا للتوحّد. لم يعد مجرّد “تشخيص واحد” ينطبق على الجميع، بل مجموعة من المسارات البيولوجية المختلفة. وهذا يعني أن العلاجات والدعم يمكن أن تصبح أكثر دقة وتخصيصًا، بحيث يحصل كل طفل على ما يناسب حالته بشكل أفضل.

الخلاصة

تشير الدراسة إلى أن التوحّد ليس طيفًا واحدًا كما كنا نظن، بل أربعة عوالم مختلفة، لكل منها جيناته وآلياته الخاصة. ومع كل كشف جديد،ومع اتساع فهمنا لهذه الأنماط، يقترب العالم خطوة إضافية نحو تشخيص أدق، تدخلات مبكرة، ورعاية إنسانية أكثر تخصيصًا، تضع الأطفال وعائلاتهم في قلب الاهتمام ومركزه.