في شهر يوليو، بدأت سنا (ونستخدم هنا اسم مستعار) الطفلة ذات الست سنوات رحلتها معنا في مركز التدخل المبكر، كانت طفلة بعينين واسعتين، لكن عالمها لم يكن كذلك. شخصت سنا باضطراب طيف التوحّد قبل ٣ سنوات، ومنذ تشخيصها، سارعت بتلقي تدريبات مكثفة، وحاولت بطريقتها أن تقول ما لا تستطيع الكلمات حمله. كانت سنا تتحدّث اللغة الانجليزية، وقد كشف تقييمها الأولي باستخدام بروتوكول السلوك اللفظي VBMAPP ضعفًا عميقًا في مهارات الطلب والتواصل، وهذا ما يفسّر ظهور السلوكيات غير المرغوبة مثل الصراخ ورمي نفسها على الأرض بغية الحصول على مطلب معين. بالإضافة إلى ذلك، كانت سنا تعاني من ضعف في التواصل البصري، ولا تستجيب لاسمها أثناء اللعب، كما واجهت مشكلة في مهارات الانتظار. لكنها أيضًا كانت تحمل داخلها نقاط قوة، كمهاراتها في التسمية و الإدراك البصري و اللعب الاستقلالي و التقليد الحركي.
وعلى مدار الأشهر الثمانية، تلقت الطفلة جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA) لمدة ساعتين يوميًا لخمس أيام أسبوعياً، تركزت على تعزيز مهارات التواصل، وتقليل السلوكيات غير المرغوبة، وتعليمها كيفية التعبير عن احتياجاتها بطرق ملائمة. لم تكن هذه مجرد جليات، بل كانت محاولات لبناء جسر بين عالمها وعالمنا، كنا نعلمها كيف للرغبة أن تتحول من دمعة إلى كلمة وكيف تطرق باب الحوار بأسئلة أين؟ وماذا؟
النتائج:
تطوّرت سنا في مختلف مهارات السلوك اللفظي حيث انتقلت من المستوى الثاني بمجموع درجات 88,5 إلى المستوى الثالث بمجموع درجات ١٤٥.٥ من أصل ١٧٠ درجة مما انعكس على حياتها اليومية فيما يلي:
تطور مهارات الطلب: انتقلت من الصراخ إلى استخدام الكلمات والجمل المناسبة لطلب ما تحتاجه. أصبحت قادرة على التعبير عن رغباتها، والرفض أو القبول بصوت مناسب.
التواصل البصري والاستجابة لاسمها: تحسنت استجابتها لاسمها بشكل كبير خلال اللعب والتفاعل اليومي، حيث أصبحت تستجيب لاسمها بسرعة وتبدي تواصلًا بصريًا جيدًا عند الاجابة على اسمها او على الأسئلة..
استخدام أسئلة (WH- Questions) : أصبحت قادرة على طرح الأسئلة مثل “أين؟”، “ماذا؟”، مما ساعدها على توسيع قدراتها اللغوية والتفاعل مع من حولها.
مهارات الانتظار: كانت تجد صعوبة في التريث وانتظار دورها، لكنها الآن قادرة على الانتظار بطريقة منظمة دون انفعالات.
التواصل مع أقرانها: أصبحت سنا تهتم بمشاركة أقرانها بعض الأنشطة الممتعة كالغناء وتقلد حركاتهم التمثيلية في الأغاني..
الهدف القادم:
الخطوة التالية في رحلتها هي الالتحاق بالمدرسة بوجود معلمة لدعمها في البيئة الصفية وتعزيز مهاراتها الاجتماعية، وهو المجال الذي لا يزال يحتاج إلى تطوير.
قصة سنا تذكّرنا أن التدخل المبكر ليس علاجًا فقط، بل نافذة تُفتح على حياة جديدة؛ وأنه يمكن أن يحدث تغييرًا جذريًا في حياة الأطفال، مما يفتح لهم أبوابًا جديدة نحو الاستقلالية والتفاعل الاجتماعي الإيجابي، مهما كان الطريق شاقًا..